من كلام أهل العلم في الإجهاض
. 01 مارس 2024
الشيخ إسماعيل المجذوب

239

من كلام أهل العلم في الإجهاض

الحكم العام للإجهاض هو التحريم إذا نفخت فيه الروح بأن بلغ في بطن أمه مائة وعشرين يوماً.
أما قبل هذا الوقت فقد اختلف فيه الفقهاء، وتعددت أقوال أهل الفتوى ولو كانوا أتباعَ مذهب فقهي واحد.
ولبعضهم تفصيلات في الحكم مرتبطة بأسباب وأحوال ترتبط بالمرأة وبدوافع الرغبة إلى الإجهاض.
فقد تحمل المرأة وعندها رضيع عمره أشهر قليلة، وتحمل أخرى وعندها ولدان الكبير منهما لم يبلغ السنتين.
وقد تحمل من الزنى باختيارها، وقد تحمل من الزنى وهي مكرهة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها، وقد تحمل بالاعتداء عليها وهي مجنونة أو معتوهة غير مكلفة.
والدوافع إلى الإجهاض كثيرة مختلفة، ولا يبعد اختلاف الحكم على حسب الأحوال أو على حسب الدوافع.
إن إجهاض امرأة تعيش مع زوجها بإلقاء علقة بعد شهرين من الحمل وليس لها ولزوجها دافع للإجهاض إلا تفرغها لزوجها بعدم انشغالها بالحمل والولادة والحضانة يختلف عن الإجهاض بعد شهرين من الحمل باغتصاب فتاة بالإكراه بسبب ما يصيبها من الحرج والعنت والخوف على سمعتها وأن تبقى منبوذة في أمر لا ذنب لها فيه.  
وإذا كان من الصعب أن يتحمل طالب العلم مسؤولية الفتوى في بعض أحوال هذه القضية وأمثالها فالمطلوب منه أن لا ينكر على إخوانه العمل بفتوى بعض أهل العلم إذا كان فيها يسر ورفع للحرج عنهم.   
ومن المفيد في هذه القضية أن أنقل بعض كلام أهل العلم من أجل أن يختار العمل بالعزيمة والاحتياط أهلُ الورع، ومن أجل أن يجد أهل الحرج والبلاء اليسر وما يخلصهم من العناء والكربات.
ومن أهم أحكام الإجهاض العامة ما ذكروا خلاصته في الموسوعة الفقهية 2/ 57 حيث قالوا: 
أ - حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ:
4 - نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ...الخ
وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإْجْهَاضُ إِجْمَاعًا.  
ب - حُكْمُ الإْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ:
5 - فِي حُكْمِ الإْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالإْبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإْسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْل، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ، وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْل الأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَال بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل الأَرْبَعِينَ أَيْضًا، اهـ كلام الموسوعة.
ومن أقوال بعض الحنفية في هذا ما ذكرة ابن الهمام في فتح القدير 3/ 401فقال: وَهَلْ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَبَلِ؟ يُبَاحُ مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ ثُمَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قَالُوا: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار 3/ 176: قَالَ فِي النَّهْرِ: بَقِيَ هَلْ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ؟ نَعَمْ يُبَاحُ مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ.
ومن أقوال بعض الشافعية ما ذكره الرملي في نهاية المحتاج 8/ 442 بعد أن نقل كلام الغزالي في تفصيل أحوال الجنين: وقد يقال: أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى بل محتمل للتنزيه والتحريم، ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه حريمه.
ثم استدرك الرملي على قوله: ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ بقوله: 
نعم لو كانت النطفة من زنا فقد يُتَخَيَّلُ الجوازُ، فلو تركت حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج 7/ 186: وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّسَبُّبِ إلَى إلْقَاءِ النُّطْفَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي الرَّحِمِ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْإِحْيَاءِ فِي مَبْحَثِ الْعَزْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إلَى التَّخَلُّقِ الْمُهَيَّأِ لِنَفْخِ الرُّوحِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَزْلُ اهـ.
وبعد أن نقل البجيرمي كلام ابن حجر الهيتمي السابقَ في حاشيته على شرح الإقناع 3/ 360 قال: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ اهـ.